الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أراد وحبال تغلب فثنّى، والحبال جمع؛ لأنه أراد الشيئين والنوعين.{الرحمن فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} قال الزجاج: المعنى فاسأل عنه.وقد حكى هذا جماعة من أهل اللغة أن الباء تكون بمعنى عن؛ كما قال تعالى: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع} [المعارج: 1] وقال الشاعر: وقال عَلْقَمة بن عَبدة: أي عن النساء وعما لم تعلمي.وأنكره عليّ بن سليمان وقال: أهل النظر ينكرون أن تكون الباء بمعنى عن؛ لأن في هذا إفسادًا لمعاني قول العرب: لو لقيت فلانًا للقيك به الأسد؛ أي للقيك بلقائك إياه الأسد.المعنى فاسأل بسؤالك إياه خبيرًا.وكذلك قال ابن جبير: الخبير هو الله تعالى.ف {خَبِيرًا} نصب على المفعول به بالسؤال.قلت: قول الزجاج يخرّج على وجه حسن، وهو أن يكون الخبير غير الله؛ أي فاسأل عنه خبيرًا، أي عالمًا به، أي بصفاته وأسمائه.وقيل: المعنى فاسأل له خبيرًا، فهو نصب على الحال من الهاء المضمرة.قال المهدوِيّ: ولا يحسن حالًا إذ لا يخلو أن تكون الحال من السائل أو المسئول، ولا يصح كونها حالًا من الفاعل؛ لأن الخبير لا يحتاج أن يسأل غيره.ولا يكون من المفعول؛ لأنّ المسئول عنه وهو الرحمن خبير أبدًا، والحال في أغلب الأمر يتغير وينتقل؛ إلا أن يحمل على أنها حال مؤكدة؛ مثل: {وَهُوَ الحق مُصَدِّقًا} [البقرة: 91] فيجوز.وأما {الرَّحْمَنُ} ففي رفعه ثلاثة أوجه: يكون بدلًا من المضمر الذي في {اسْتَوَى}.ويجوز أن يكون مرفوعًا بمعنى هو الرحمن.ويجوز أن يكون مرفوعًا بالابتداء وخبره {فَاسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا}.ويجوز الخفض بمعنى وتوكل على الحيّ الذي لا يموت الرحمنِ؛ يكون نعتًا.ويجوز النصب على المدح.قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن} أي لله تعالى.{قَالُواْ وَمَا الرحمن} على جهة الإنكار والتعجب، أي ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب.وزعم القاضي أبو بكر ابن العربيّ أنهم إنما جهلوا الصفة لا الموصوف، واستدلّ على ذلك بقوله: {وَما الرَّحْمنُ} ولم يقولوا ومن الرحمن.قال ابن الحصار: وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرى {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن} [الرعد: 30].{أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} هذه قراءة المدنيين والبصريين؛ أي لما تأمرنا أنت يا محمد.واختاره أبو عبيد وأبو حاتم.وقرأ الأعمش وحمزة والكسائيّ: {يأْمُرُنَا} بالياء.يعنون الرحمن؛ كذا تأوّله أبو عبيد، قال: ولو أقرّوا بأنّ الرحمن أمرهم ما كانوا كفارًا.فقال النحاس: وليس يجب أن يتأوّل عن الكوفيين في قراءتهم هذا التأويل البعيد، ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم {أَنَسْجُدُ لِمَا يَأْمُرُنا} النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فتصح القراءة على هذا، وإن كانت الأولى أبين وأقرب تناولًا.{وَزَادَهُمْ نُفُورًا} أي زادهم قول القائل لهم اسجدوا للرحمن نفورًا عن الدِّين.وكان سفيان الثوريّ يقول في هذه الآية: إلهي زادني لك خضوعًا ما زاد عداك نفورًا. اهـ.
وجوزوا أيضًا في {الرحمن} أن يكون بدلًا من الضمير المستكن في {استوى}.والظاهر تعلق به بقوله: {فاسال} وبقاء الباء غير مضمنة معنى عن.و{خبيرًا} من صفات الله كما تقول: لقيت بزيد أسدًا ولقيت بزيد البحر، تريد أنه هو الأسد شجاعة، والبحر كرمًا.والمعنى أنه تعالى اللطيف العالم الخبير والمعنى {فاسأل} الله الخبير بالأشياء العالم بحقائقها.قال ابن عطية: و{خبيرًا} على هذا منصوب إما بوقوع السؤال، وإما على الحال المؤكدة.كما قال: {وهو الحق مصدقًا} وليست هذه الحال منتقلة إذا الصفة العلية لا تتغير. انتهى.وبني هذا الإعراب على أنه كما تقول: لو لقيت فلانًا للقيت به البحر كرمًا أي لقيت منه.والمعنى {فاسأل الله} عن كل أمر وكونه منصوبًا على الحال المؤكدة على هذا التقدير لا يصح إنما يصح أن يكون مفعولًا به، ويجوز أن تكون الباء بمعنى عن، أي {فاسأل} عنه {خبيرًا} كما قال الشاعر: وهو قول الأخفش والزجاج.ويكون {خبيرًا} ليس من صفات الله هنا، كأنه قيل: اسأل عن الرحمن الخبراء جبريل والعلماء وأهل الكتب المنزلة، وإن جعلت {به} متعلقًا بخبيرًا كان المعنى {فاسأل} عن الله الخبراء به.وقال الكلبي معناه {فاسأل} خبيرًا به و{به} يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش، وذلك الخبير هو الله تعالى لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق ذلك فلا يعلمها إلاّ الله.وعن ابن عباس: الخبير جبريل وقدم لرءوس الآي.وقال الزمخشري: الباء في {به} صلة سل كقوله: {سأل سائل بعذاب} كما يكون عن صلته في نحو {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} أو صلة {خبيرًا} به فتجعل {خبيرًا} مفعولًا أي، فسل عنه رجلًا عارفًا يخبرك برحمته، أو فسل رجلًا خبيرًا به وبرحمته، أو فسل بسؤاله خبيرًا.كقولك، رأيت به أسدًا أي رأيت برؤيته، والمعنى إن سألته وجدته خبيرًا بجعله حالًا عن به تريد فسل عنه عالمًا بكل شيء.وقيل: {الرحمن} اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه.
|